لا يأتي الناس إلى هذه الدنيا متساو الحظوظ , فهناك من يولد فقيرا أو مريضا
أو وسط عائلة مفككة .. والكثير من هؤلاء سيعيشون في بؤس طوال حياتهم ,
وربما سيورثونه لأطفالهم , وقد ينتهي المطاف بالبعض منهم إلى السجن
أو المصحة العقلية أو الانتحار .. يقضون أيامهم وساعاتهم الأخيرة
وربما كانوا على حق , فنحن في واقع الحال لا نختار كيف نأتي إلى هذه الحياة ,
لكننا لا نعدم حق الاختيار أبدا , إذ يمكننا دوما , بقليل من الجهد والإرادة ,
أن نحول بؤسنا إلى سعادة , وفشلنا إلى نجاح .. تماما كما فعل أبطال قصتنا ,
الذين أتوا إلى هذه الدنيا بأسوأ عاهات وتشوهات بإمكاننا أن نتخيلها ,
وتعرضوا للتمييز والسخرية منذ سن مبكرة , لكنهم لم يركنوا إلى اليأس أبدا ,
بل عملوا كل ما في وسعهم ليعيشوا بصورة طبيعية كالآخرين , بل حتى أفضل منهم .
تشوه الحوض المزدوج ..
ولنبدأ قصتنا مع جوزفين ميرتل كوربن , تلك الفتاة التي أبصرت النور عام 1868
في ولاية تينسي الأمريكية , والتي أصبحت حديث الناس منذ ساعة موالدها ...
لكونها تمتلك أربع أرجل ! .. نعم عزيزي القارئ .. بطلة قصتنا لديها أربعة أرجل , وحوضان ,
وفي كل حوض هناك جهاز تناسلي كامل منفصل عن الآخر !! ..
إنها حالة طبية نادرة جدا , تدعى التشوه مزدوج الحوض (dipygus )
وتحدث خلال صيرورة الجنين في رحم أمه , حيث ينقسم الجزء السفلي
من جذع الجنين إلى جزأين منفصلين نتيجة وجود توأم غير مكتمل النمو ,
أي يصبح للطفل حوضين كاملين منفصلين عن بعض ,
كل حوض فيه زوج من الأرجل , إحداهما – الداخلية – تكون قصيرة وضعيفة ,
فيما الأخرى - الخارجية – تكون طويلة وقوية .
وعليه فأن الطفل الذي يولد بهذه الحالة ربما سيكون بإمكانه المشي , بصعوبة طبعا ,
باستخدام الأرجل الطويلة من كل زوج . وقد لا يلاحظ الناس أرجله الإضافية ,
كما في حالة جوزفين , لأنها كانت تبقى متوارية تحت ثوبها الطويل ,
مع العلم أن جوزفين كانت تستطيع تحريك أرجلها القصيرة ,
لكنها كانت أضعف من أن تستعملها للمشي .
نالت شهرة واسعة في عروض السيرك ..
حالة جوزفين كما ذكرنا آنفا هي من الحالات النادرة والفريدة ,
وغالبا ما يولد الطفل بمثل حالتها وهو ميت , وربما ماتت الأم أيضا .
لكن جوزفين أتت إلى هذه الدنيا بكل يسر وسلاسة ,
وكانت عاشقة للحياة مذ أبصرت النور أول مرة , وقد وصفها من عرفها في طفولتها
بأنها طفلة لطيفة وذكية وسعيدة جدا .
ولأن الناس في ذلك الزمان لم يكونوا يجدون غضاضة في استغلال التشوهات البشرية
من اجل كسب المال , لهذا سرعان ما وجدت جوزفين طريقها لعروض السيرك منذ سن مبكرة ,
حتما رأى والداها في أرجلها الأربعة فرصة لا تفوت لكسب المال ,
وبالفعل ذاع صيتها بسرعة وحققت شهرة واسعة فبدأ الناس يتقاطرون
من كل حدب وصوب لمشاهدة الفتاة العجيبة التي باتت تعرف
بأسم "الفتاة ذات الأربع أرجل من تكساس" .
كانت عروض جوزفين ناجحة إلى درجة أنها باتت تكسب 450 دولار بالأسبوع ,
وهو مبلغ ضخم بقياسات تلك الأيام .
عمل جوزفين في السيرك لم يدم طويلا , إذ تزوجت في سن التاسعة عشر
من شقيق زوج أختها , الدكتور جيمس بكنيل .
ولحسن حظها فأن الرجل كان يحبها فعلا ولم يكن طامعا بجني الأرباح من أرجلها الأربعة ,
لهذا أصر على أن تترك عملها في عروض السيرك , فاستجابت لرغبته وأصبحت ربة منزل ,
وأنجبت لاحقا خمسة أطفال . ويقال بأنها أنجبت ثلاثة منهم عبر حوضها الأيمن ,
فيما أتى الاثنان الآخران من حوضها الأيسر ! .
جوزفين مع زوجها وإحدى بناتها
حالة جوزفين تم توثيقها بدقة من قبل الأطباء الذين فحصوها مرارا خلال حياتها ,
وقد عاشت طويلا حتى أصيبت ساقها بمرض جلدي أدى تفاقمه إلى مفارقتها الحياة عام 1928 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق